إن مهنة التعليم ذات فضل ورِفعة، ووظيفة المعلِّم من أشرف الوظائف وأنبلها، وكلما كانت المادة العلميَّة التي يقدمها أنفع، ارتَفع صاحبُها شرفاً ورفعةً، والمعلم إذا أخلص عمله لله، وعُنِي بتعليمه، نفع الناس وعلمهم الخير؛ ومهمة المعلم لا تقتصر على طرح المادة العلمية على طُلابه فقط، بل هي مهمة عسيرة تتطلب منه صبراً وأمانة ونصحاً، ورعاية لِهم، يوجههم ويساعدهم على إعادة اكتشاف الحقائق العلميَّة المتعلِّقة بالموضوع، وتلمس العوائد التربوية من كلِّ ذلك، وتدريُب الطلاب على الأسلوب العلمي في التفكير، وعلى الحوار والمناقشة. اذ أن من صفات المعلِّم المؤثر: أنه كثير الثناء، قليل الانتقاد، يمارس التحفيز الإيجابي، ويعطي الإرشادات المناسبة، ويشغل الطلَبة بنسبة أكثر من الوقت في الفعاليات، ويعمل مع مجموع الصف، ويُراعي الفروق الفردية، ويغرس في نفوس طلابه حقيقة الإخلاص، مثلما الصدق تاجٌ على رأس المعلم، يُكسبه احترام المتعلمين، ويرفع من شأنه في عمله.
لقد غيب الموت هذا الاسبوع اثنين من هذا النوع من المعلمين، هما المرحومة مريم اللوزي والمرحوم احمد يوسف التل. فقد كانت مريم اللوزي من اعضاء مجلس النواب البارزين المتفاعلين مع قضايا المواطنين، وخاصة المعلمين، ذات أخلاق حميدة وقلب طيب، ونالت تقدير المواطن الاردني لحسن التعامل معه ومتابعتها لقضاياه البارزة، فهي ذات شخصية قيادية، وتتمتع بالأخلاق الحميدة وتتحلى بالشجاعة عند اتخاذ قرارات مصيرية تحت قبة البرلمان وفي أروقة التربية والتعليم، ولا تحاول فرض رأيها على مرؤوسيها، وكانت تحب الأردن، وتدافع عنه بكل ثقة وحماس.وقد ثابرت على التعليم والتعلم حتى حصولها على شهادة الدكتوراه في الكتابة الإبداعية، وبقيت تعمل مدرسة لمدة 17 عامًا، الى أن انتخبت عضوا في مجلس النواب الأردني.
أما المرحوم احمد يوسف التل فقد حصل على البكالوريوس في الاقتصاد السياسي عام 1956. ولم يجد عملا مناسبا لتخصصه، الى ان عين معلما لتدريس اللغة الانجليزية للمرحلة الثانوية، حيث كانت يسود محاضراته اجواء اتسمت بالراحة النفسية والمشاركة داخل الصف والحوار. ثم عمل في الادارة التربوبة، الى ان تولى ادارة كليات المجتمع، بعد تحويل معاهد المعلمين والمعلمات الى كليات مجتمع لسنتين دراسيتين في مجالات المهن التعليمية والهندسية والتجارية والطبية والزراعية والفندقية والاجتماعية وتقديم برامج التعليم المستمر، ومن ثم مستشارا ثقافيا في السفارة الاردنية في الباكستان ثم مديرا للتأهيل والاشراف التربوي في وزارة التربية والتعليم، إلى أن تقاعد ثم اختير عميدا لكلية الزرقاء (جامعة الزرقاء الأهلية) وكانت من اوائل الجامعات الأهلية في المملكة.
رحم الله جميع من توفوا من رواد التعليم بمختلف مستوياته، وجزاهم خيرا على ما قدموه للأجيال المتعاقبه من فرص ثمينة، تميز بها أردننا العزيز ونفع بها مختلف الأقطار الشقيقة، التي تفضل استقطابهم، للانتفاع من خبراتهم الطويلة وقدراتهم المتميزة، ووفق الله الجميع ممن يواصلون حمل الرسالة النبيلة.